في هذا الوقت العصيب ونحن محجورين في منازلنا، كل مطاعم الأردن وأغلب المطاعم في العالم أغلقوا. ونحن في شمس البلد نواجه موقف صعب ومحزن لم نكن نتخيله ابداً.
"متى رح نقدر نرجع عالشغل؟ كيف رح نرجع عالشغل؟"
هذه الاسئلة من فريقي وانا متأكد أن كافة كوادر المطاعم في اغلب مدن العالم تسأل نفس الأسئلة.
المطاعم هي الخلفية لأفراحنا ولأحزاننا، صالاتها شهادة لهوية المكان ولذاكرة أهلها. هذه الاماكن تمثل جزء أساسي من النسيج الثقافي للمجتمع، وتعبر عن هوية كل مجتمع ومكانه في الحضارة الإنسانية.
لا يوجد شك أن قطاع المطاعم من أكثر القطاعات المتأثرة من وباء الكورونا من خلال الإجراءات الوقائية المناسبة التي تتخذها الحكومة الأردنية وغيرها من الحكومات لضمان صحة وسلامة مواطنيها من اغلاق كامل للمطاعم للمستقبل المنظور.
معظم المطاعم غير مهيئة لتحمل فترة طويلة من التعطل عن العمل ولا تمتلك الوسائل المادية لتحمل تكاليف هذا التعطل.
هذا يعني أن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تغطي مصاريفها شهراً بشهر، وهي تمثل اغلب المطاعم المحلية في الأردن، لن تعود تفتح أبوابها مرة أخرى.
هذه المطاعم تعتمد على تدفقها النقدي الشهري لتسديد التزاماتها من الرواتب وذمم فواتير مورديها وغيرهم. طبيعة العمل هذه قاسية وتركيبتها رقصة يومية تحتاج للتخطيط والحذر الدائم. وفي هذه المرحلة التاريخية انفتحت الأرض من تحت أرجل كل الراقصين وبلعتهم وكل مخططاتهم، فارضة عليهم واقع جديد ومستحيل: تحمل كل الالتزامات بدون توفر السيولة.
للأسف هذا لا يعني ابداً أن هذه المطاعم سوف تغلق أبوابها وتعلن عن افلاسها وتنتهي الرواية هنا، لا بل بالعكس تماماً. التفاعلات السلبية لإفلاس عدد كبير من المطاعم المحلية سوف تحرق الاخضر واليابس وتؤثر سلباً على كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
من الناحية الاقتصادية الأثر المباشر سوف يؤثر سلباً على ريع صندوق الضمان الاجتماعي، وايضاً ما يزيد الطين بلة الأثر السلبي والمباشر على إيرادات الحكومة مما سوف يخلق أزمة بالموازنة العامة لخسارة إيرادات ضريبة المبيعات من مبالغ قديمة مترتبة ومن مبالغ جديدة كانت سوف تحصل خلال الأشهر القادمة.
أما من الناحية الاجتماعية فإذا ما ورد أعلاه لن يتم معالجته من خلال جهد وطني وشحذ الطاقات والتعاون بين كافة القطاعات لإنقاذ هذا القطاع المهم في الاقتصاد الأردني، فإن عشرات الآلاف من العائلات الأردنية سوف ينقطع رزقها وسوف يكون هذا المستقبل مؤلماً للمجتمع الأردني، مع أن هذا الواقع ينطبق على مستوى كافة دول العالم.
الالم يعصرني ايضاً كإبن عمان خوفاً على مستقبل مدينتي في غياب المطاعم والمنتجين المحليين الذين ينبضون بالروح في شوارعها وأزقتها، ويعكسون هويتنا و ثقافتنا المعاصرة من خلال مائدتنا وحسن ضيافتنا.
بالنسبة لي، لا يمكن ان اتخيل مدينتي من دون حمص وفلافل من الاسرة وشاورما من الحناين ومنسف من القدس وكنافة من حبيبة ووليمة تغميس من باب اليمن السعيد والكثير غيرهم. كل واحد منا لديه الاماكن المفضلة يرجع إليهم دائماً وهذه الاماكن تلعب دور مهم بحياتنا في مدننا، ونظرتنا للمدينة وللوطن والأهم من ذلك نظرتنا لأنفسنا، التي تتكون بشكل مهم من خلال تفاعلاتنا مع وفي هذه المساحات.
تبينت للجميع في هذا القطاع من أول أيام حظر التجول في الأردن أن هذه الاسابيع القادمة سوف تكون مصيرية لعشرات الآلاف من الموظفين وأصحاب العمل. وتطورت الأحداث خلال الأيام الماضية عالمياً وأُطلقت العديد من الحملات بمختلف أنحاء العالم لإنقاذ قطاع المطاعم لما لهذا القطاع دور مهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لكافة المجتمعات حول العالم.
ومن هنا تبين لي ولزملائي ان المطاعم المحلية التي نعشقها في الأردن بحاجة الى منصة تعمل على توحيد أصواتها وتوفر مساحة للحوار المفتوح والبناء للعمل الإيجابي للتعاون مع جمعية المطاعم السياحية ونقابة اصحاب المطاعم والحلويات ووزارة السياحة وغيرهم من المؤسسات العامة للحفاظ على المصلحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للجميع.
وبناءً على كل ما ورد أعلاه أطلقنا مبادرة تحالف المطاعم والمنتجين المحليين لاستقطاب آراء زملائنا في هذه المهنة والمواطنين المهتمين في دعم هذا القطاع، للحوار والمشاركة وتغذية المبادرة بالتوصيات التي سوف يتم طرحها لكافة الجهات المختصة بأجهزة الدولة. المبادرة هي جماعية ولا يوجد اي شروط للانضمام لها، لا بل نشجع الجميع بالمشاركة والمساهمة من خلال فتح باب الحوار والارتقاء به للوصول إلى أنسب الحلول لإنقاذ وإعادة تنمية مطاعمنا والمنتجين المحليين للطعام والشراب.
كان من المفترض أن تكون هذه مقدمة لمدونة شمس البلد الجديدة، لتعطي نبذة عن ما يميز عملنا وفريقنا بشمس البلد ولكن في هذه الأجواء المخيفة علينا مسؤولية أكبر لطرح هذه القضايا والعثور على حلول مناسبة من خلال العمل الجماعي مع كافة مكونات مجتمعنا، وبالنهاية هذا هو حقاً ما يميزنا بشمس البلد، مبادئنا وقيمنا ليست شعارات، بل هي الريح في اشرعتنا توجه عملنا كجزء صغير ومهم من المجتمع المحلي.